فصل: ردّ الشّهادة بتهمة الإيثار والمحبّة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


تنفيذ

التّعريف

1 - التّنفيذ في اللّغة‏:‏ جعل الشّيء يجاوز محلّه‏.‏ يقال‏:‏ نفذ السّهم في الرّميّة تنفيذا‏:‏ أخرج طرفه من الشّقّ الآخر‏.‏ ونفذ الكتاب أرسله‏:‏ ونفذ الحاكم الأمر أجراه وقضاه‏.‏ والاصطلاح الشّرعيّ لا يخرج عن المعنى اللّغويّ، والنّفاذ ترتّب الآثار الشّرعيّة على الحكم‏.‏ وقد يطلق لفظ «تنفيذ «على إحاطة الحاكم علما بحكم أصدره حاكم آخر على وجه التّسليم، ويسمّى اتّصالا‏.‏ ويتجوّز بذكر «الثّبوت والتّنفيذ «قال ابن عابدين‏:‏ وهذا هو المتعارف عليه في زماننا هذا غالباً‏.‏

2 - والفرق بين نفاذ الحكم أو العقد وتنفيذهما هو‏:‏ أنّ النّفاذ صحّة العقد أو الحكم وترتّب آثاره الخاصّة منه، كوجوب إقامة الحدّ على المحكوم عليه، وانتقال ملكيّة المبيع إلى المشتري، والثّمن إلى البائع‏.‏

أمّا التّنفيذ فهو العمل بمقتضى العقد أو الحكم وإمضاؤه بتنفيذ عقوبة الحدّ على المحكوم عليه، وتسليم المبيع للمشتري، والثّمن للبائع من العاقد طوعا أو بإلزام من الحاكم‏.‏

قال الفقهاء‏:‏ إنّ التّنفيذ ليس بحكم، إنّما هو عمل بحكم سابق وإجازة للعقد الموقوف‏.‏ ولهذا قالوا‏:‏ إنّ الحكم بالمحكوم به تحصيل الحاصل وهو ممنوع‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

القضاء‏:‏

3 - القضاء في اللّغة‏:‏ الحكم، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ ألا تَعْبُدوا إلا إيَّاه‏}‏‏.‏ والفرق بين القضاء والتّنفيذ أنّ التّنفيذ يأتي بعد القضاء، والقضاء سبب له

الحكم التّكليفي

4 - يجب على الوصيّ، أو الورثة تنفيذ وصايا الميّت بشروطها، وعلى الحاكم، أو من ينوب عنه تنفيذ العقوبات على من حكم عليه، وعلى من التزم حقوقا ماليّة باختياره، أو ألزمه الشّارع حقّا تنفيذ ما لزمه من حقوق، وعلى الحاكم التّنفيذ جبرا على من امتنع عن التّنفيذ طوعا إذا طلب صاحب الحقّ حقّه‏.‏

من يملك التّنفيذ

5 - يختلف من له سلطة التّنفيذ باختلاف الحقّ المراد تنفيذه‏:‏ فإن كان الحقّ المنفّذ عقوبة كالحدّ، والتّعازير والقصاص، فلا يجوز تنفيذه إلا بإذن من الإمام أو نائبه باتّفاق الفقهاء‏.‏ لأنّ ذلك يفتقر إلى الاجتهاد، والحيطة، ولا يؤمن فيه الحيف والخطأ، فوجب تفويضه إلى نائب اللّه في خلقه، ولأنّه صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود، وكذا خلفاؤه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏استيفاء‏)‏‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز لكلّ مسلم، تنفيذ العقوبة حال مباشرة المعصية لأنّه نهي عن المنكر والكلّ مأمور به‏.‏

أمّا إذا كان الحكم المنفّذ من حقوق العباد الماليّة، فالتّنفيذ على من عليه الحقّ، فإذا امتنع بلا وجه شرعيّ نفّذه الحاكم بقوّة القضاء بناء على طلب صاحب الحقّ، والتّفصيل في مصطلحي‏:‏ ‏(‏استيفاء - وحسبة‏)‏‏.‏

الأمر بتنفيذ حكم القاضي

6 - إذا طلب من القاضي تنفيذ حكم أصدره هو نفّذه وجوبا باتّفاق الفقهاء إذا كان ذاكرا أنّه حكمه‏.‏ أمّا إذا نسي ولم يتذكّر أنّه حكمه، فاختلف الفقهاء في جواز تنفيذه لما حكم به‏.‏ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا يجوز له تنفيذه حتّى يتذكّر، وإن شهد شاهدان على أنّه حكمه، أو رأى ورقة فيها أنّه حكمه، لأنّه يمكنه الرّجوع إلى العلم والإحاطة بالتّذكّر فلا يرجع إلى الظّنّ، ولإمكان التّزوير في الخطّ‏.‏

وقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ إن شهد شاهدان على أنّه حكمه لزمه قبولها، وإمضاء الحكم، وقالوا‏:‏ لأنّه لو شهدا عنده بحكم غيره قبل، فكذلك هنا‏.‏

الأمر بتنفيذ حكم قاض آخر

7 - إذا رفع إلى القاضي حكم قاض آخر نفّذه، وإن خالف مذهبه، أو رأى أنّ غيره أصوب منه، ما لم يكن ممّا يجب نقضه، كأن خالف نصّاً أو إجماعاً أو قياساً جليّاً‏.‏ وينظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏قضاء ‏)‏‏.‏

تنفيذ الوصيّة

8 - الوصيّة بتنفيذ الوصيّة مستحبّة وتنفيذها واجب على الوصيّ باتّفاق الفقهاء‏.‏

فإذا أوصى إلى اثنين فصاعدا، فإن أثبت الاستقلال لكلّ واحد منهما فلكلّ واحد منهما الانفراد بالتّنفيذ‏.‏

أمّا إذا شرط اجتماعهما على التّنفيذ فليس لأحدهما الانفراد، فإن انفرد لم يصحّ التّنفيذ، وإن أطلق حمل على التّعاون بينهما فليس لأحدهما أن يستقلّ بالتّصرّف دون صاحبه‏.‏

أمّا الوصايا الّتي يجوز تنفيذها والّتي لا يجوز تنفيذها، وشروط الموصي والوصيّ فيرجع لمعرفة ذلك إلى مصطلح ‏(‏وصيّة‏)‏‏.‏

تنفيذ حكم قاضي البغاة

9 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه لو ظهر أهل البغي على بلد فولّوا قاضيا منهم، فرفع حكمه إلى قاضي أهل العدل نفّذ من أحكامه ما ينفذ من أحكام قاضي أهل العدل بشروط هي‏:‏ أ - أن يكون لهم تأويل غير ظاهر البطلان، فإن لم يكن لهم تأويل فلا ينفذ أحكام قاضيهم‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ فإن لم يكن لهم تأويل فيتعقّب أحكامه، فما وجد منها صوابا مضى، وما ليس كذلك ردّ‏.‏

ب - ألا يكون ممّن يستبيحون دماء أهل العدل وأموالهم، فإن كانوا كذلك لا تنفذ أحكامه‏.‏ ج - ألا يخالف نصّاً، أو إجماعاً، أو قياساً جليّاً‏.‏

هذا مجمل آراء الفقهاء في تنفيذ حكم قاضي البغاة‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ بغاة‏.‏

تنفيذ حكم المرأة

10 - لا يصحّ قضاء المرأة‏:‏ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» ولا ينفذ حكمها، لأنّ التّنفيذ فرع صحّة الحكم‏.‏

وإلى هذا ذهب الأئمّة، مالك، والشّافعيّ، وأحمد‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يجوز قضاء المرأة، فيما يجوز فيه شهادتها، وهي ما عدا القود، والحدّ، فإذا حكمت بين خصمين، فقضت قضاء موافقا لدين اللّه ينفذ‏.‏

وإذا حكمت في حدّ أو قود، فرفع إلى قاض آخر يرى جوازه فأمضاه فليس لغيره إبطاله‏.‏

وأفتى بعض متأخّري الشّافعيّة، إذا ابتلي النّاس بولاية امرأة، نفذ قضاؤها للضّرورة‏.‏ والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏قضاء‏)‏‏.‏

تنفيذ حكم غير المسلم

11 - لا يصحّ تولية غير المسلم القضاء لانتفاء أهليّته للولاية، ونصبه على مثله مجرّد رئاسة لا تقليد حكم وقضاء‏.‏ ومن ثمّ لم يلزم حكمه عليهم إلا إذا رضوا به‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ تقليد غير المسلم القضاء صحيح وإن لم يصحّ قضاؤه على المسلم حال كفره، وينفذ على أهل ملّته والتّفصيل في باب القضاء‏.‏

تنفيل

التّعريف

1 - التّنفيل في اللّغة من النّفل وهو الغنيمة‏:‏ يقال‏:‏ نفّله أعطاه النّفل، ونفله بالتّخفيف نفلا وأنفله إيّاه، ونفل الإمام الجند إذا جعل لهم ما غنموا، ونفل فلان على فلان فضّله على غيره‏.‏ قال أهل اللّغة‏:‏ جماع معنى النّفل والنّافلة ما كان زيادة على الأصل، وهو في الاصطلاح زيادة مال على سهم الغنيمة يشترطه الإمام أو أمير الجيش لمن يقوم بما فيه نكاية زائدة على العدوّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الرّضخ‏:‏

2 - الرّضخ هو العطيّة القليلة، وفي الشّرع عطيّة من الغنيمة دون السّهم لغير من يسهم لهم، كالصّبيان والنّساء إذا قاموا بعمل فيه إعانة على القتال‏.‏

الحكم التّكليفي

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعيّة التّنفيل، إلا ما روي عن عمرو بن شعيب فإنّه قال‏:‏ لا نفل بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وذهب الشّافعيّة والمالكيّة إلى أنّه لا تنفيل إلا إذا مسّت الحاجة بأن كثر العدوّ وقلّ المسلمون واقتضى الحال بعث السّرايا وحفظ المكامن، لذلك «نفل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات دون بعض»‏.‏

وقال الحنفيّة هو مستحبّ، لأنّه نوع من التّحريض على الجهاد‏.‏

4 - وللتّنفيل صور ثلاث‏:‏ إحداها‏:‏ أن يبعث الإمام أمام الجيش سريّة تغير على العدوّ، ويجعل لهم شيئا ممّا يغنمون، كالرّبع أو الثّلث‏.‏

ثانيتها‏:‏ أن ينفّل الإمام أو الأمير بعض أفراد الجيش لما أبداه في القتال من شجاعة وإقدام، أو أيّ عمل مفيد فاق به غيره من غير سبق شرط‏.‏

ثالثتها‏:‏ أن يقول الإمام‏:‏ من قام بعمل معيّن فله كذا كهدم سور أو نقب جدار، ونحو ذلك، وكلّ هذه الصّور جائزة عند جمهور الفقهاء‏.‏

وكره مالك وأصحابه الصّورة الأخيرة‏:‏ قالوا‏:‏ لأنّ ذلك يصرف نيّة المجاهدين لقتال الدّنيا، ويؤدّي إلى التّحامل على القتال، وركوب المخاطر، وقال عمر الفاروق رضي الله عنه‏:‏ لا تقدّموا جماجم المسلمين إلى الحصون، لَمسلم أستبقيه أحبّ إليّ من حصن أفتحه‏.‏

وقالوا‏:‏ ينفذ الشّرط وإن كان ممنوعاً، إن لم يبطله الإمام قبل حوز المغنم‏.‏

محلّ التّنفيل

5 - يجوز التّنفيل من بيت المال الّذي عند الإمام، ويشترط في هذه الحالة‏:‏ أن يكون النّفل معلوما نوعا، وقدراً، كما يجوز أن ينفّل ممّا سيغنم من الأعداء وتغتفر الجهالة فيها للحاجة‏.‏ واختلف الفقهاء من أيّ شيء يكون النّفل إذا كان من الغنيمة‏.‏

فقال الحنابلة وهو قول للشّافعيّة‏:‏ يكون النّفل من أربعة أخماس الغنيمة مطلقا، وهو قول أنس بن مالك‏.‏ واستدلّ بحديث‏:‏ «لا نفل إلا بعد الخمس»‏.‏

وعند الحنفيّة يكون من أربعة أخماس الغنيمة إذا نفل الإمام في أثناء القتال، أمّا إذا نفل بعد الإحراز فلا نفل إلا من الخمس‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّه يكون من الخمس‏.‏

وذهب الشّافعيّة في قول إلى أنّه يكون من خمس الخمس، وهو حظّ الإمام‏.‏

وفي قول آخر لهم‏:‏ يكون من أصل الغنيمة‏.‏

ولا يجوز عند الحنابلة والشّافعيّة أن يقول‏:‏ من أخذ شيئاً فهو له، ولا يصحّ هذا الشّرط، قالوا‏:‏ وما نقل أنّه صلى الله عليه وسلم فعله فهذا لم يثبت‏.‏

قدر النّفل

6 - ليس للنّفل حدّ أدنى فللإمام أن ينفّل الثّلث أو الرّبع أو أقلّ من ذلك، كما يجوز له ألّا ينفّل أصلا‏.‏ هذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء، واختلفوا‏:‏ هل للتّنفيل حدّ أعلى ‏؟‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه ليس للتّنفيل حدّ أعلى، فللإمام أن ينفّل السّريّة كلّ ما تغنمه، أو بقدر منه، كأن يقول‏:‏ ما أصبتم فهو لكم أو لكم ثلثه أو ربعه بعد الخمس، أو قبله، وقال الحنفيّة‏:‏ ليس للإمام أن يقول ذلك للعسكر كلّه، وقال ابن الهمام من الحنفيّة‏:‏ لا يجوز أن يقول ذلك للسّريّة أيضاً‏.‏

وليس للتّنفيل حدّ أعلى عند الشّافعيّة بل هو موكول باجتهاد الإمام وتقديره حسب قيمة العمل وخطره، واستدلّوا بما روي عن حبيب بن مسلمة «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان ينفّل الرّبع بعد الخمس والثّلث بعد الخمس إذا نفّل»‏.‏

وهذا يدلّ على أنّه موكول لاجتهاد الإمام‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ لا يجوز تنفيل أكثر من الثّلث، لأنّ «نفل النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لم يتجاوز الثّلث»‏.‏

وقت التّنفيل

7 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، إلى أنّ التّنفيل يكون قبل إصابة المغنم، أمّا بعد إصابة المغنم فيمتنع أن يخصّ البعض ببعض ما أصابوه، لأنّ حقّ الغانمين قد تأكّد بالإصابة والإحراز، وقال الحنفيّة‏:‏ للإمام أن ينفّل بعد الإحراز من الخمس، لأنّه لا حقّ للغانمين فيه بشرط أن يكون المنفّلون من أصناف الخمس‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا نفل إلا بعد إحراز الغنيمة

تنفّل

انظر‏:‏ نافلة ‏.‏

تنقيح المناط

التّعريف

1 - التّنقيح‏:‏ التّهذيب والتّمييز‏.‏ والمناط‏:‏ العلّة‏.‏

وتنقيح المناط عند الأصوليّين‏:‏ هو النّظر والاجتهاد في تعيين ما دلّ النّصّ على كونه علّة من غير تعيين، بحذف ما لا مدخل له في الاعتبار ممّا اقترن به من الأوصاف، كلّ واحد بطريقه - وذلك مثل «قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم - للأعرابيّ الّذي قال‏:‏ هلكت يا رسول اللّه - ما صنعت ‏؟‏، قال‏:‏ وقعت على أهلي في نهار رمضان، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أعتق رقبة»، فإنّه يدلّ على كون الوقاع علّة للعتق، والتّعليل بالوقاع وإن كان مومى إليه بالنّصّ، غير أنّه يفتقر في معرفته عينا إلى حذف كلّ ما اقترن به من الأوصاف عن درجة الاعتبار بالرّأي والاجتهاد‏.‏ وذلك بأن يبيّن أنّ كونه أعرابيّا، وكونه شخصا معيّنا، وأنّ كون ذلك الزّمان وذلك الشّهر بخصوصه، وذلك اليوم بعينه، وكون الموطوءة زوجة وامرأة معيّنة لا مدخل له في التّأثير بما يساعد من الأدلّة في ذلك حتّى يتعدّى إلى كلّ من وطئ في نهار رمضان عامدا، وهو مكلّف صائم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - إلغاء الفارق‏:‏

2 - إلغاء الفارق هو بيان عدم تأثير الفارق بين الأصل والفرع في القياس، فيثبت الحكم لما اشتركا فيه‏.‏ وذلك كإلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق الثّابتة بحديث الصّحيحين‏:‏

«من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوّم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق»

فالفارق بين الأمة والعبد هو الأنوثة ولا تأثير لها في منع السّراية، فتثبت السّراية فيها لما شاركت فيه العبد أي للوصف الّذي شاركت فيه العبد وهو الرّقّيّة‏.‏

والفرق بين تنقيح المناط وإلغاء الفارق أنّ إلغاء الفارق ليس فيه تعيين للعلّة، وإنّما يحصل الإلحاق بمجرّد الإلغاء، أمّا تنقيح المناط ففيه اجتهاد في تعيين الباقي من الأوصاف للعلّيّة، قال البنانيّ في حاشيته على شرح جمع الجوامع‏:‏ لا يلزم من القطع بإلغاء الفارق القطع بعلّيّة الباقي بعد الفارق الملغى، لجواز أن تكون العلّة أمرا آخر وراءهما ثمّ قال‏:‏ والحاصل أنّ هنا أمرين‏:‏ كون الفارق غير معتبر في العلّيّة، وكون الباقي بعد ذلك الفارق هو العلّة، ولا يلزم من ثبوت الأوّل ثبوت الثّاني‏.‏

غير أنّ تعريف الشّوكانيّ لتنقيح المناط يكاد يكون هو تعريف إلغاء الفارق الّذي ذكره المحلّيّ في جمع الجوامع، مع ذكر نفس المثال، ويفهم من ذلك أنّه لا فرق بينهما عنده‏.‏ قال الشّوكانيّ في تعريف تنقيح المناط‏:‏ معنى تنقيح المناط عند الأصوليّين‏:‏ إلحاق الفرع بالأصل بإلغاء الفارق، بأن يقال‏:‏ لا فرق بين الأصل والفرع إلا كذا، وذلك لا مدخل له في الحكم ألبتّة فيلزم اشتراكهما في الحكم، لاشتراكهما في الموجب له، كقياس الأمة على العبد في السّراية، فإنّه لا فرق بينهما إلا الذّكورة وهو ملغى بالإجماع إذ لا مدخل له في العلّيّة‏.‏

ب - السّبر والتّقسيم‏:‏

3 - السّبر والتّقسيم حصر الأوصاف الموجودة في الأصل المقيس عليه، وإبطال ما لا يصلح منها للعلّيّة، فيتعيّن الباقي لها، كأن يحصر أوصاف البرّ في قياس الذّرة عليه في الطّعم وغيره، ويبطل ما عدا الطّعم بطريقه، فيتعيّن الطّعم للعلّيّة‏.‏

والفرق بين تنقيح المناط وبين السّبر والتّقسيم، أنّ الوصف في تنقيح المناط منصوص عليه، بخلافه في السّبر والتّقسيم‏.‏ وقد ذكر الشّوكانيّ أنّ الفخر الرّازيّ زعم أنّ مسلك «تنقيح المناط «هو مسلك «السّبر والتّقسيم «فلا يحسن عدّه نوعا آخر‏.‏

وردّ عليه بأنّ بينهما فرقاً ظاهراً، وذلك أنّ الحصر في دلالة السّبر والتّقسيم لتعيين العلّة إمّا استقلالاً أو اعتباراً، وفي تنقيح المناط لتعيين الفارق وإبطاله، لا لتعيين العلّة‏.‏

الحكم الإجمالي

4 - تنقيح المناط مسلك من مسالك العلّة، ولكنّه دون تحقيق المناط في المرتبة، وقد أقرّ به أكثر منكري القياس بل قال أبو حنيفة‏:‏ لا قياس في الكفّارات، وأثبت هذا النّمط من التّصرّف وسمّاه استدلالا‏.‏ يقول الغزاليّ‏:‏ فمن جحد هذا الجنس من منكري القياس وأصحاب الظّاهر لم يخف فساد كلامه‏.‏ وقد نازع العبدريّ الغزاليّ بأنّ الخلاف فيه ثابت بين من يثبت القياس وينكره لرجوعه إلى القياس‏.‏ وتفصيل ذلك ينظر في الملحق الأصوليّ‏.‏

تنمّص

التّعريف

1 - النّمص‏:‏ هو نتف الشّعر، وقيل‏:‏ هو نتف الشّعر من الوجه‏.‏

والنّامصة‏:‏ هي الّتي تنتف الشّعر من وجهها أو من وجه غيرها‏.‏

والمتنمّصة‏:‏ هي الّتي تنتف الشّعر من وجهها، أو هي من تأمر غيرها بفعل ذلك‏.‏ والمنماص‏:‏ المنقاش، الّذي يستخرج به الشّوك وتنمّصت المرأة‏:‏ أخذت شعر جبينها بخيط لتنتفه‏.‏ وانتمصت‏:‏ أمرت النّامصة أن تنتف شعر وجهها، ونتفت هي شعر وجهها‏.‏ والنَّمَص‏:‏ رقّة الشّعر ودقّته، حتّى تراه كالزّغب‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء للكلمة عن معناها اللّغويّ، إلا أنّ بعضهم قيّد النّمص بترقيق الحواجب‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الحفّ‏:‏

2 - من معاني الحفّ الإزالة يقال‏:‏ حفّ اللّحية يحفّها حفّا‏:‏ إذا أخذ منها ويقال‏:‏ حفّت المرأة وجهها حفّا وحفافا‏:‏ أي أزالت عنه الشّعر بالموسى وقشّرته‏.‏

فالفرق بين الحفّ والتّنمّص أنّ الحفّ بالموسى‏.‏

ب - الحلق‏:‏

3 - الحلق هو استئصال الشّعر بالموسى ونحوها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏مُحَلِّقِينَ رُءوسَكمْ وَمُقَصِّرِينَ‏}‏ ويطلق - أيضاً - على قطع الشّعر، والأخذ منه‏.‏

الحكم التّكليفي

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ نتف شعر الحاجبين داخل في نمص الوجه المنهيّ عنه بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لعن اللّه النّامصات، والمتنمّصات»‏.‏

واختلفوا في الحفّ والحلق، فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ الحفّ في معنى النّتف‏.‏ وذهب الحنابلة إلى جواز الحفّ والحلق، وأنّ المنهيّ عنه هو النّتف فقط‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ نتف ما عدا الحاجبين من شعر الوجه داخل أيضاً في النّمص، وذهب المالكيّة في المعتمد وأبو داود السّجستانيّ، وبعض علماء المذاهب الثّلاثة الأخرى إلى أنّه غير داخل‏.‏ واتّفق الفقهاء على أنّ النّهي عن التّنمّص في الحديث محمول على الحرمة، ونقل عن أحمد وغيره أنّ النّهي محمول على الكراهة‏.‏

وجمهور العلماء على أنّ النّهي في الحديث ليس عامّا، وذهب ابن مسعود وابن جرير الطّبريّ إلى عموم النّهي، وأنّ التّنمّص حرام على كلّ حال‏.‏

وذهب الجمهور إلى أنّه لا يجوز التّنمّص لغير المتزوّجة، وأجاز بعضهم لغير المتزوّجة فعل ذلك إذا احتيج إليه لعلاج أو عيب، بشرط أن لا يكون فيه تدليس على الآخرين‏.‏

قال العدويّ‏:‏ والنّهي محمول على المرأة المنهيّة عن استعمال ما هو زينة لها، كالمتوفّى عنها والمفقود زوجها‏.‏ أمّا المرأة المتزوّجة فيرى جمهور الفقهاء أنّه يجوز لها التّنمّص، إذا كان بإذن الزّوج، أو دلّت قرينة على ذلك، لأنّه من الزّينة، والزّينة مطلوبة للتّحصين، والمرأة مأمورة بها شرعا لزوجها‏.‏

ودليلهم ما روته بكرة بنت عقبة أنّها سألت عائشة رضي الله عنها عن الحفاف، فقالت‏:‏ إن كان لك زوج فاستطعت أن تنتزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن ممّا هما فافعلي‏.‏

وذهب الحنابلة إلى عدم جواز التّنمّص - وهو النّتف - ولو كان بإذن الزّوج، وإلى جواز الحفّ والحلق‏.‏

وخالفهم ابن الجوزيّ فأباحه، وحمل النّهي على التّدليس،أو على أنّه كان شعار الفاجرات‏.‏

وذهب جمهور العلماء إلى أنّه يستحبّ للمرأة إذا نبتت لها لحية أو شوارب أو عنفقة أن تزيلها، وقيّد بعضهم ذلك بإذن الزّوج‏.‏ وأوجب المالكيّة عليها - في المعتمد - أن تزيلها، لأنّ فيها مثلة‏.‏ أمّا ابن جرير فذهب إلى تحريم ذلك‏.‏

5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز للمرأة أن تزيل شعر يديها ورجليها وظهرها وبطنها‏.‏

وذهب المالكيّة إلى وجوب ذلك عليها، لأنّ في ترك هذا الشّعر مثلة‏.‏ يحرم على الرّجل التّنمّص، ويكره له حفّ حاجبه أو حلقه، ويجوز له الأخذ منه ما لم يشبه المخنّثين‏.‏

تنمية

انظر‏:‏ إنماء ‏.‏

تنوّر

التّعريف

1 - من معاني التّنوّر لغة‏:‏ الطّلاء بالنّورة، يقال‏:‏ تنوّر‏:‏ تطلّى بالنّورة ليزيل الشّعر ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الاستحداد‏:‏

2 - الاستحداد حلق العانة، سمّي استحداداً لاستعمال الحديدة وهي الموسى، وفي حكم الحلق القصّ والنّتف والنّورة‏.‏ فعلى هذا يكون الاستحداد أعمّ من التّنوّر، لأنّه كما يكون بالتّنوّر يكون بغيره من حلق وقصّ ونتف‏.‏

الحكم الإجمالي

3 - إزالة شعر العانة والإبط من خصال الفطرة الّتي ورد بمشروعيّتها الحديث الصّحيح، والإزالة تكون بأمور منها‏:‏ التّنوّر‏.‏

ولا خلاف بين الفقهاء في جواز إزالة شعر العانة والإبط بالتّنوّر، لما رواه الخلّال بإسناده عن نافع قال‏:‏ كنت أطلي ابن عمر فإذا بلغ عانته نوّرها هو بيده‏.‏ «وقد روي ذلك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم» ولأنّ أصل السّنّة يتأدّى بالإزالة بكلّ مزيل‏.‏

المفاضلة بين التّنوّر والحلق والنّتف

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ الحلق أفضل لإزالة شعر العانة في حقّ الرّجل لموافقته خبر

«عشر من الفطرة‏:‏ قصّ الشّارب، وإعفاء اللّحية، والسّواك، واستنشاق الماء، وقصّ الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة»‏.‏

قال أبو شامة‏:‏ يقوم التّنوّر مكان الحلق وكذلك النّتف والقصّ‏.‏

أمّا المرأة فالأولى في حقّها النّتف‏.‏ وبهذا قال الحنفيّة والشّافعيّة‏.‏ ويرى جمهور المالكيّة ترجيح الحلق في حقّ المرأة‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ لا بأس بالإزالة بأيّ شيء والحلق أفضل‏.‏ أمّا إزالة شعر الإبطين فقد اتّفق الفقهاء على أولويّة النّتف فيه لموافقته الخبر، فغيره من الحلق والتّنوّر خلاف الأولى‏.‏ وتنظر التّفاصيل تحت عنوان‏:‏ ‏(‏استحداد‏)‏‏.‏

تهاتر

التّعريف

1 - التّهاتر في اللّغة من الهتر بالكسر وهو الكذب والسّقط من الكلام والخطأ فيه، ويطلق على الشّهادات الّتي يكذّب بعضها بعضا يقال‏:‏ تهاترت البيّنتان أي‏:‏ تعارضتا وتساقطتا‏.‏ وتهاتر الرّجلان إذا ادّعى كلّ واحد على الآخر باطلاً‏.‏

والاصطلاح الشّرعيّ لا يخرج عن هذا المعنى‏.‏

تهاتر البيّنتين

2 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا تعارضت البيّنتان ولم يمكن العمل بهما معا، ولم يوجد ما يرجّح إحداهما على الأخرى، فإنّهما تتهاتران كالخبرين‏.‏ ثمّ اختلفوا في الصّور الّتي يمكن العمل بهما معا‏.‏ وفي الصّور الّتي لا يمكن العمل بهما فتتهاتر البيّنتان فيها‏.‏ فإذا ادّعى - مثلا - اثنان عينا في يد ثالث وأقام كلّ منهما بيّنة، ولا مرجّح لإحداهما على الأخرى، فإنّهما تتهاتران في أصحّ الأقوال عند الشّافعيّة، وهو قول عند الحنفيّة، وإحدى روايتين للحنابلة وقالوا‏:‏ لأنّ إحدى البيّنتين كاذبة بيقين لاستحالة الملكين في الكلّ، ولأنّهما حجّتان تعارضتا من غير ترجيح لإحداهما على الأخرى فتساقطتا كالخبرين‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يعمل بالشّهادتين، ويقسم بينهما بالتّساوي، وهو قول عند كلّ من الشّافعيّة، والحنابلة‏.‏ واستدلّوا بما ورد «أنّ رجلين اختصما إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في ناقة وأقام كلّ منهما بيّنة، فقضى به بينهما نصفين»، قالوا‏:‏ ولأنّ المطلق للشّهادة في ما معه كلّ منهما محتمل الوجود، بأن تعتمد إحداهما سبب الملك والأخرى اليد فصحّت الشّهادتان، فيجب العمل بهما ما أمكن، وقد أمكن بالتّنصيف، لاستوائهما في سبب الاستحقاق، وهو الشّهادة‏.‏

ومدار العمل بالشّهادتين صحّتهما لا صدقهما فإنّه ممّا لا يطّلع عليه العباد‏.‏

أمّا باقي حالات التّهاتر، وما يعتبر مرجّحا لإحدى الشّهادتين وآراء الفقهاء في ذلك فيرجع في تفصيله إلى مصطلح‏:‏ ‏(‏تعارض‏)‏‏.‏

تهايؤ

انظر‏:‏ مهايأة ‏.‏

تهجّد

التّعريف

1 - التّهجّد في اللّغة‏:‏ من الهجود ويطلق على النّوم والسّهر‏.‏ يقال هجد‏:‏ نام باللّيل فهو هاجد والجمع هجود مثل‏:‏ راقد ورقود وقاعد وقعود‏.‏

وهجد‏.‏ صلّى باللّيل، ويقال‏:‏ تهجّد‏:‏ إذا نام‏.‏ وتهجّد‏:‏ إذا صلّى فهو من الأضداد‏.‏

وفي لسان العرب‏:‏ قال الأزهريّ‏:‏ المعروف في كلام العرب أنّ الهاجد هو النّائم‏.‏ هجد هجودا إذا نام‏.‏ وأمّا المتهجّد فهو القائم إلى الصّلاة من النّوم‏.‏ وكأنّه قيل له متهجّد لإلقائه الهجود عن نفسه‏.‏

وقد فسّرت عائشة رضي الله عنها وابن عبّاس رضي الله عنهما ومجاهد ‏{‏نَاشِئَةَ اللَّيلِ‏}‏ بالقيام للصّلاة بعد النّوم، فيكون موافقا للتّهجّد‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو صلاة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم‏.‏

وقال أبو بكر بن العربيّ‏:‏ في معنى التّهجّد ثلاثة أقوال‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّه النّوم ثمّ الصّلاة ثمّ النّوم ثمّ الصّلاة‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّه الصّلاة بعد النّوم‏.‏

والثّالث‏:‏ أنّه بعد صلاة العشاء‏.‏ ثمّ قال عن الأوّل‏:‏ إنّه من فهم التّابعين الّذين عوّلوا على «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينام ويصلّي، وينام ويصلّي»‏.‏

والأرجح عند المالكيّة الرّأي الثّاني‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - قيام اللّيل‏:‏

2 - الأصل في قيام اللّيل أن يطلق على الاشتغال فيه بالصّلاة دون غيرها‏.‏

وقد يطلق على الاشتغال بمطلق الطّاعة من تلاوة وتسبيح ونحوهما‏.‏

وقيام اللّيل قد يسبقه نوم بعد صلاة العشاء وقد لا يسبقه أمّا التّهجّد فلا يكون إلا بعد نوم‏.‏

ب - إحياء اللّيل‏:‏

3 - المراد بإحياء اللّيل قضاؤه أو أكثره بالعبادة كالصّلاة، والذّكر، وقراءة القرآن، ونحو ذلك، فبينهما عموم وخصوص وجهيّ، فالإحياء أخصّ لشموله اللّيل كلّه أو أكثره، والتّهجّد أخصّ لكونه بالصّلاة دون غيرها‏.‏ وتفصيله في مصطلح ‏(‏إحياء اللّيل‏)‏‏.‏

حكمه

4 - التّهجّد مسنون في حقّ الأمّة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِن اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لكَ‏}‏‏.‏

أي فريضة زائدة على الفريضة بالنّسبة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ولمواظبته صلى الله عليه وسلم على التّهجّد، ولما ورد في شأنه من الأحاديث الدّالّة على سنّيّته، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «عليكم بصلاة اللّيل، فإنّه دأب الصّالحين قبلكم، وقربة إلى ربّكم، ومكفّرة للسّيّئات، ومنهاة عن الإثم»‏.‏

وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏«أفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل»والمراد بها التّهجّد‏.‏

وأمّا في حقّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقد اختلف العلماء في وجوبه أو نفله على قولين‏:‏ ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏اختصاص‏)‏‏.‏

وقته

5 - أفضل أوقات التّهجّد جوف اللّيل الآخر لما روى عمرو بن عبسة قال‏:‏ «قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ أيّ اللّيل أسمع ‏؟‏ قال‏:‏ جوف اللّيل الآخر فصلّ ما شئت»‏.‏

فلو جعل اللّيل نصفين أحدهما للنّوم والآخر للقيام فالأخير أفضل، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا حين يبقى ثلث اللّيل الأخير فيقول‏:‏ من يدعوني فأستجيب له ‏؟‏ من يسألني فأعطيه ‏؟‏ من يستغفرني فأغفر له ‏؟‏» متّفق عليه‏.‏

قال الحنفيّة والشّافعيّة‏:‏ لو أراد أن يجعله أثلاثا فيقوم ثلثه وينام ثلثيه، فالثّلث الأوسط أفضل من طرفيه، لأنّ الغفلة فيه أتمّ، والعبادة فيه أفضل والمصلّين فيه أقلّ‏.‏

ولهذا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ذاكر اللّه في الغافلين مثل الشّجرة الخضراء في وسط الشّجر» والأفضل مطلقاً عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة السّدس الرّابع والخامس من اللّيل، لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أحبّ الصّلاة إلى اللّه عزّ وجلّ صلاة داود عليه السلام كان ينام نصف اللّيل ويقوم ثلثه وينام سدسه»‏.‏ وأمّا المالكيّة فأفضله عندهم ثلثه الأخير لمن تكون عادته الانتباه آخر اللّيل، أمّا من كان غالب حاله أن لا ينتبه آخره بأن كان غالب أحواله النّوم إلى الصّبح، فالأفضل أن يجعله أوّل اللّيل احتياطا‏.‏

عدد ركعاته

6 - اتّفق الفقهاء على أنّ أقلّها ركعتان خفيفتان لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا قام أحدكم من اللّيل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين»‏.‏ واختلفوا في أكثرها فقال الحنفيّة‏:‏ منتهى ركعاته ثماني ركعات‏.‏

قال ابن الهمام‏:‏ الظّاهر «أنّ أقلّ تهجّده صلى الله عليه وسلم كان ركعتين، وأنّ منتهاه كان ثماني ركعات» وستأتي الرّوايات الدّالّة على ذلك‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ أكثره عشر ركعات أو اثنتا عشرة ركعة فقد روي «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّي باللّيل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة» وروي أنّه كان يصلّي فيه اثنتي عشرة ركعة ثمّ يوتر بواحدة‏.‏ ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏اختصاص‏)‏‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لا حصر لعدد ركعاته وهو ما يؤخذ من عبارات فقهاء الحنابلة‏.‏

لخبر‏:‏ «الصّلاة خير موضوع من شاء أقلّ ومن شاء أكثر»‏.‏

ركعات تهجّده صلى الله عليه وسلم

7 - قال ابن قدامة‏:‏ اختلف في عدد ركعات تهجّده صلى الله عليه وسلم فروي أنّه ثلاث عشرة ركعة لما روى ابن عبّاس قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي من اللّيل ثلاث عشرة ركعة» أخرجه مسلم‏.‏

وقالت عائشة‏:‏ «ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثمّ يصلّي أربعا فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثمّ يصلّي ثلاثاً»‏.‏ وفي لفظ قالت‏:‏ «كانت صلاته في شهر رمضان وغيره باللّيل ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر» وفي لفظ‏:‏ «منها الوتر وركعتا الفجر»‏.‏

وفي لفظ «كان يصلّي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر»‏.‏ وفي لفظ «كان يصلّي فيما بين العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلّم من كلّ ركعتين ويوتر بواحدة»‏.‏

ترك التّهجّد لمعتاده

8 - يكره لمن اعتاد التّهجّد أن يتركه بلا عذر «لقوله صلى الله عليه وسلم لابن عمرو يا عبد اللّه لا تكن مثل فلان كان يقوم من اللّيل فترك قيام اللّيل » متّفق عليه‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم «أحبّ الأعمال إلى اللّه أدومها وإن قلّ»

وقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلّى صلاة داوم عليها» هذا وتفصيل ذلك كلّه وما عداه ممّا هو متّصل به من صفة صلاته وما يقوله المتهجّد إذا قام من اللّيل يتهجّد وما يقرأ في تهجّده، وإسراره بالقراءة وجهره بها، وهل تهجّده في البيت أفضل منه في المسجد أو العكس، وإيقاظه من يطمع في تهجّده إذا لم يخف ضررا، وهل إطالة القيام أفضل من تكثير الرّكعات أو العكس، تفصيل ذلك كلّه يرجع إليه في بحثي‏:‏ ‏(‏قيام اللّيل، وإحياء اللّيل‏)‏‏.‏

تهمة

التّعريف

1 - التّهمة بسكون الهاء وفتحها الشّكّ والرّيبة وأصل التّاء فيها الواو ولأنّها من الوهم‏.‏ يقال اتّهم الرّجل أي‏:‏ أتى بما يتّهم عليه واتّهمته ظننت به سوءاً ، واتّهمته بالتّثقيل مثله‏.‏

ولا يخرج اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

تقسيم التّهمة

2 - قسّم العزّ بن عبد السّلام التّهم من حيث القوّة والضّعف إلى ثلاثة أقسام فقال التّهم ثلاثة أضرب‏:‏

أحدها تهمة قويّة كحكم الحاكم لنفسه، وشهادة الشّاهد لنفسه، فهذه تهمة موجبة لردّ الحكم والشّهادة، لأنّ قوّة الدّاعي الطّبعيّ قادحة في الظّنّ المستفاد من الوازع الشّرعيّ قدحا ظاهرا لا يبقى معه إلّا ظنّ ضعيف لا يصلح للاعتماد عليه، ولا لاستناد الحكم إليه‏.‏

الضّرب الثّاني‏:‏ تهمة ضعيفة كشهادة الأخ لأخيه، والصّديق لصديقه، والرّفيق لرفيقه، فلا أثر لهذه التّهمة، وقد خالف مالك رحمه الله في الصّديق الملاطف، ولا تصلح تهمة الصّداقة للقدح في الوازع الشّرعيّ، وقد وقع الاتّفاق على أنّ الشّهادة لا تردّ بكلّ تهمة‏.‏ الضّرب الثّالث‏:‏ تهمة مختلف في ردّ الشّهادة والحكم بها ولها رتب‏:‏

أحدها‏:‏ تهمة قويّة وهي تهمة شهادة الوالد لأولاده وأحفاده، أو لآبائه وأجداده، فالأصحّ أنّها موجبة للرّدّ لقوّة التّهمة، وعن أحمد رحمه الله تعالى روايات‏:‏ ثالثها‏:‏ ردّ شهادة الأب وقبول شهادة الابن، لقوّة تهمة الأب لفرط شفقته وحنوّه على الولد‏.‏

الرّتبة الثّانية‏:‏ تهمة شهادة العدوّ على عدوّه وهي موجبة للرّدّ لقوّة التّهمة وخالف فيها بعض العلماء‏.‏

الرّتبة الثّالثة‏:‏ تهمة أحد الزّوجين إذا شهد للآخر وفيها أقوال‏:‏

ثالثها ردّ شهادة الزّوجة دون الزّوج لأنّ تهمتها أقوى من تهمة الزّوج، لأنّ ما ثبت له من الحقّ متعلّق لكسوتها ونفقتها وسائر حقوقها‏.‏

الرّتبة الرّابعة‏:‏ تهمة القاضي إذا حكم بعلمه، والأصحّ أنّها لا توجب الرّدّ إذا كان الحاكم ظاهر التّقوى والورع‏.‏

الرّتبة الخامسة‏:‏ تهمة الحاكم في إقراره بالحكم، وهي موجبة للرّدّ عند مالك رحمه الله غير موجبة له عند الشّافعيّ رحمه الله، لأنّ من ملك الإنشاء ملك الإقرار، والحاكم مالك لإنشاء الحكم فملك الإقرار به‏.‏ وقول مالك رحمه الله متّجه إذا منعنا الحكم بالعلم‏.‏

الرّتبة السّادسة‏:‏ تهمة حكم الحاكم مانعة من نفوذ حكمه لأولاده وأحفاده وعلى أعدائه وأضداده‏.‏ قال‏:‏ وإنّما ردّت الشّهادة بالتّهم من جهة أنّها مضعفة للظّنّ المستفاد من الشّهادة، وموجبة لانحطاطه عن الظّنّ الّذي لا يعارضه تهمة، وبأنّ داعي الطّبع أقوى من داعي الشّرع، ويدلّ على ذلك ردّ شهادة أعدل النّاس لنفسه، وردّ حكم أقسط النّاس لنفسه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

اللّوث‏:‏

3 - يطلق اللّوث على البيّنة الضّعيفة غير الكاملة، وعلى الجراحات والمطالبات بالأحقاد لشبه الدّلالة، ولا تكون بيّنة تامّة‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ هو قرينة تثير الظّنّ، وتوقع في القلب صدق المدّعي‏.‏

الحكم التّكليفي

4 - تحرم التّهمة إذا لم يكن لها أمارة صحيحة، أو سبب ظاهر كاتّهام من ظاهره العدالة من المسلمين وسوء الظّنّ بهم‏.‏

أمّا من اشتهر بين النّاس بتعاطي الرّيب والمجاهرة بالخبائث، فلا يحرم اتّهامه في الجملة وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرَاً مِن الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ‏}‏‏.‏

وفي الآية دليل على أنّه لم يحرّم جميع الظّنّ‏.‏ ولا خلاف بين الفقهاء في أنّ الحدود لا تقام بالتّهمة والظّنّ، ولا خلاف بين الفقهاء في أنّ التّهمة لها بعض الآثار في المتّهم‏.‏

التّهمة في الشّهادة

5 - أصل ردّ الشّهادة، ومبناه التّهمة‏:‏ والشّهادة خبر يحتمل الصّدق والكذب، وحجّته بترجّح جانب الصّدق فيه، فإذا شابت الحجّة شائبة التّهمة ضعفت، ولم تصلح للتّرجيح‏.‏ وجاء في الحديث‏:‏ «لا تجوز شهادة متّهم»‏.‏

أسباب تهمة الشّاهد

6 - من أسباب تهمة الشّاهد‏:‏ ما يرجع لمعنى في نفس الشّاهد كالفسق إذا ثبت، لأنّ من لا ينزجر عن غير الكذب من محظورات دينه فلا يؤمن ألا ينزجر عن الكذب في الشّهادة، فلا تحصل بشهادته غلبة الظّنّ فتردّ شهادته‏.‏ وللتّفصيل يرجع إلى ‏(‏فسق‏)‏‏.‏

ومنها ما يرجع إلى معنى في المشهود له‏:‏ كالإيثار للقرابة‏.‏

ومنها ما يرجع إلى خلل في التّمييز وإدراك الأمور على حقيقتها‏:‏ كالغفلة والعمى، والصّبا ونحو ذلك‏.‏ هذا ولم نقف على خلاف بين الفقهاء في ردّ شهادة الفاسق بتهمة الكذب‏.‏

7 - ولم يختلف جمهور الفقهاء في ردّ شهادة كلّ من له مصلحة في موضوع الشّهادة بتهمة جرّ النّفع لنفسه أو دفع الضّرر عنها، كالشّريك فيما هو شريك فيه، وتردّ شهادته على عمل قام به هو كما تردّ شهادة العاقلة بفسق شهود قتل خطأ أو شبه عمد يتحمّلونه، وشهادة الغرماء بفسق شهود دين آخر وذلك بتهمة دفع الضّرر عن النّفس‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏شهادة‏)‏‏.‏

ردّ الشّهادة بتهمة الإيثار والمحبّة

8 - ممّا اتّفق الفقهاء على تأثيره من حيث الجملة في إسقاط الشّهادة‏:‏

تهمة المحبّة والإيثار، فتردّ شهادة الأصل لفرعه وإن سفل ، وشهادة الفرع للأصل على خلاف في ذلك وإن علا الأصل لتهمة إيثار المشهود له على المشهود عليه، لأنّ المنافع بين الولد والوالد متّصلة، ولهذا منعوا أداء زكاة بعضهم إلى بعض، فتكون شهادة للنّفس وتتمكّن فيه التّهمة‏.‏ ولحديث‏:‏ «لا تجوز شهادة ظنين في ولاء ولا قرابة»‏.‏

كما اتّفقوا على عدم تأثير تهمة الإيثار على شهادة الأخ لأخيه، بتفصيل يرجع إليه في مصطلح‏:‏ شهادة‏.‏ واختلفوا في تأثير تهمة المحبّة والإيثار في شهادة أحد الزّوجين للآخر، فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى ردّ شهادة كلّ من الزّوجين للآخر وقالوا‏:‏ لأنّ كلّ واحد منهما يرث الآخر من غير حجب وتتبسّط الزّوجة في مال الزّوج، وتزيد نفقتها بغناه فلم تقبل شهادة أحدهما للآخر بتهمة جرّ النّفع‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ تقبل شهادة كلّ من الزّوجين للآخر، لأنّ الأملاك بينهما متميّزة ويجري القصاص بينهما، ولا اعتبار بما فيه من النّفع لثبوته ضمنا فلا تهمة‏.‏

ردّ شهادة العدوّ على عدوّه

9 - تردّ شهادة العدوّ على عدوّه لتهمة قصد الإضرار والتّشفّي إذا كانت العداوة دنيويّة عند الأكثر، لأنّ العدوّ قد يجرّ لنفسه نفعا بشهادته، وهو التّشفّي من العدوّ فيصير متّهما كشهادة القريب لقريبه‏.‏ أمّا العداوة الدّينيّة فلا تمنع قبول الشّهادة اتّفاقاً‏.‏

ردّ الشّهادة بالغفلة والغلط

10 - وممّا تردّ به الشّهادة‏:‏ الغفلة وكثرة الغلط‏.‏

فتردّ شهادة المغفّل وكلّ من يعرف بكثرة الغلط وعدم الضّبط، كما تردّ روايته، لقيام احتمال الغلط، وعدم الضّبط فيكون متّهما في أداء الشّهادة على وجهها‏.‏

حكم القاضي لمن يتّهم عليه

11 - لا يجوز للقاضي أن يحكم فيما لا يقبل فيه شهادته فلا يقضي لنفسه، ولا يقضي لأحد من أصوله وفروعه، وإن نزلوا أو علوا، ولا لشريكه فيما له فيه شركة، ولوكيله فيما هو موكّل فيه، فإن فعل لم ينفذ حكمه، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء‏.‏ وذلك لموضع التّهمة، وللتّفصيل واختلاف الفقهاء في ذلك يرجع إليه في مصطلح‏:‏ ‏(‏قضاء‏)‏‏.‏

حرمان الوارث من الميراث بالتّهمة

12 - لا خلاف بين الفقهاء في حرمان القاتل عمدا عدوانا من الميراث‏.‏

واختلفوا في توريث القاتل خطأ أو القاتل بحقّ‏.‏ فذهب البعض إلى حرمانهما، وذلك لتهمة استعجال الإرث قبل أوانه‏.‏ والتّفصيل‏:‏ في مصطلح‏:‏ ‏(‏إرث‏)‏‏.‏

عدم وقوع طلاق المطلّق في مرض الموت

13 - لا يقع طلاق المريض مرض الموت عند فريق من الفقهاء لتهمة قصد إضرار الزّوجة بحرمانها الميراث‏.‏ وانظر للتّفصيل مصطلح‏:‏ ‏(‏طلاق‏)‏‏.‏

التّعزير بالتّهمة

14 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الحدود لا تقام بالتّهمة‏.‏

أمّا التّعزير بالتّهمة فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ للقاضي أو الوالي تعزير المتّهم، إذا قامت قرينة على أنّه ارتكب محظورا ولم يكتمل نصاب الحجّة‏.‏ أو استفاض عنه أنّه يعيث في الأرض فسادا‏.‏ وقالوا‏:‏ إنّ المتّهم بذلك إن كان معروفا بالبرّ والتّقوى فلا يجوز تعزيره بل يعزّر متّهمه‏.‏ وإن كان مجهول الحال فيحبس حتّى ينكشف أمره‏.‏ إن كان معروفا بالفجور فيعزّر بالضّرب حتّى يقرّ أو بالحبس‏.‏ وقالوا‏:‏ وهو الّذي يسع النّاس، وعليه العمل‏.‏ قال ابن قيّم الجوزيّة‏:‏ إذا كان المتّهم معروفا بالفجور كالسّرقة وقطع الطّريق والقتل ونحو ذلك، فإذا جاز حبس المجهول فحبس هذا أولى‏.‏ قال شيخنا ابن تيميّة‏:‏ وما علمت أحدا من الأئمّة أي‏:‏ أئمّة المسلمين يقول‏:‏ إنّ المدّعى عليه في جميع هذه الدّعاوى يحلف ويرسل بلا حبس ولا غيره فليس هذا على إطلاقه مذهبا لأحد من الأئمّة الأربعة، ولا غيرهم من الأئمّة، ومن زعم أنّ هذا على إطلاقه وعمومه هو الشّرع، فقد غلط غلطا فاحشا مخالفا لنصوص رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولإجماع الأمّة‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يكفي لقيام التّهمة إن كان مجهول الحال، شهادة مستورين أو عدل واحد‏.‏ أمّا إذا كان مشهورا بالفساد فيكفي فيه علم القاضي‏.‏

التّحليف للتّهمة

15 - يحلف المودع، والوكيل، والمضارب، وكلّ من يصدّق قوله على تلف ما اؤتمن عليه، إذا قامت قرينة على خيانته، كخفاء سبب التّلف ونحوه‏.‏

وللتّفصيل يرجع إلى الأبواب المذكورة‏.‏

تهنئة

التّعريف

1 - التّهنئة في اللّغة خلاف التّعزية، يقال‏:‏ هنّأه بالأمر والولاية تهنئة وتهنيئا إذا قال له‏:‏ ليهنئك وليهنيك، أو هنيئا، ويقال‏:‏ هنّأه تهنئة وتهنيا‏.‏ والهنيء والمهنأ‏:‏ ما أتاك بلا مشقّة ولا تنغيص ولا كدر‏.‏ والهنيء من الطّعام‏:‏ السّائغ، واستهنأت الطّعام استمرأته‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ لا تخرج التّهنئة - في الجملة - عن المعنى اللّغويّ، لكنّها في مواطنها قد تكون لها معان أخصّ كالتّبريك، والتّبشير، والتّرفئة، وغير ذلك ممّا يرد ذكره‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّبريك‏:‏

2 - التّبريك في اللّغة مصدر برّك، يقال‏:‏ برّكت عليه تبريكا أي قلت له‏:‏ بارك اللّه عليك، وبارك اللّه الشّيء وبارك فيه وعليه‏:‏ وضع فيه البركة، ويكون معنى التّبريك على هذا‏:‏ الدّعاء للإنسان أو غيره بالبركة، وهي النّماء والزّيادة والسّعادة‏.‏

والتّبريك في الاصطلاح‏:‏ الدّعاء بالبركة وهي الخير الإلهيّ الّذي يصدر من حيث لا يحسّ، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر، ولذا قيل لكلّ ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة‏:‏ هو مبارك، وفيه بركة، وإلى هذه الزّيادة أشير بما روي أنّه «ما نقصت صدقة من مال»‏.‏

ب - التّبشير‏:‏

3 - وهو مصدر بشّر، ومعناه لغة‏:‏ الإخبار بالخير، وقد يستعمل في الإخبار بالشّرّ إذا قيّد به كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ‏}‏، والاسم‏:‏ البشارة، والبشارة - بالكسر والضّمّ - والبشارة إذا أطلقت اختصّت بالخير‏.‏ والبشارة - بالكسر والضّمّ - أيضا‏:‏ ما يعطاه المبشّر بالأمر‏.‏ والتّبشير في الاصطلاح لا يخرج عن المعنى اللّغويّ‏.‏

وخصّ بعضهم البشارة بأنّها الخبر الّذي لا يكون عند المبشّر علم به‏:‏ فقد عرّفها العسكريّ بأنّها‏:‏ أوّل ما يصل إليك من الخبر السّارّ فإذا وصل إليك ثانياً لم يسمّ بشارة، وأضاف‏:‏ ولهذا قال الفقهاء‏:‏ إنّ من قال من بشّرني من عبيدي بمولود فهو حرّ أنّه يعتق أوّل من يخبره بذلك‏.‏

ووجود المبشّر به وقت البشارة ليس بلازم بدليل قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَبَشَّرْنَاه بِإسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِين‏}‏ وتفصيل أحكام التّبشير تنظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏بشارة ج /8، ص /93‏)‏‏.‏

ج - التّرفئة‏:‏

4 - مصدر رفأ، يقال‏:‏ رفّاه ترفئة وترفيا، ورفأه ترفئة وترفيئا أي دعا له وقال‏:‏ بالرّفاء والبنين، أي‏:‏ بالالتئام وجمع الشّمل، لأنّ أصل الرّفء الاجتماع والتّلاؤم، ومنه رفأ أي تزوّج‏.‏ وعلى هذا تكون التّرفئة في اللّغة‏:‏ التّهنئة بالنّكاح‏.‏

ولا يخرج معناها في الاصطلاح عن المعنى في اللّغة‏.‏ والتّرفئة أخصّ من التّهنئة، لأنّ التّرفئة هي التّهنئة بالنّكاح خاصّة، أمّا التّهنئة فتكون بالنّكاح أو بغيره‏.‏

الحكم التّكليفي

5 - التّهنئة مستحبّة في الجملة، لأنّها مشاركة بالتّبريك والدّعاء - من المسلم لأخيه المسلم فيما يسرّه ويرضيه، ولما في ذلك من التّوادّ، والتّراحم، والتّعاطف بين المسلمين‏.‏ وقد جاء في القرآن الكريم تهنئة المؤمنين على ما ينالون من نعيم، وذلك في قوله تعالى

‏{‏كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلونَ‏}‏‏.‏

والتّهنئة تكون بكلّ ما يسرّ ويسعد ممّا يوافق شرع اللّه تعالى، ومن ذلك‏:‏ التّهنئة بالنّكاح، والتّهنئة بالمولود، والتّهنئة بالعيد والأعوام والأشهر، والتّهنئة بالقدوم من السّفر، والتّهنئة بالقدوم من الحجّ أو العمرة، والتّهنئة بالطّعام، والتّهنئة بالفرج بعد الشّدّة‏.‏

أوّلاً‏:‏ التّهنئة بالنّكاح‏:‏

6 - وهي الدّعاء للزّوج أو للزّوجة أو لهما بالبركة والالتئام وجمع الشّمل والذّرّيّة الطّيّبة‏.‏ وجمهور الفقهاء على استحباب التّهنئة بالنّكاح‏:‏ أي الدّعاء للزّوج أو للزّوجة أو لهما بالسّرور وعدم الكدر‏.‏ لما روي «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه أثر صفرة فقال‏:‏ ما هذا ‏؟‏ قال‏:‏ إنّي تزوّجت امرأة على وزن نواة من ذهب، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ بارك اللّه لك، أولم ولو بشاة» متّفق عليه، ولما روي في الصّحيح «أنّه صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد اللّه رضي الله عنه حين أخبره أنّه تزوّج‏:‏ بارك اللّه عليك»‏.‏

واستحباب التّهنئة ثابت في حقّ من حضر النّكاح سواء الوليّ أو غيره، وينبغي ذلك لمن لم يحضر إذا لقي الزّوج‏.‏ وتكون التّهنئة عقب عقد النّكاح والدّخول، ويطول وقتها بطول الزّمن عرفا وذلك لمن حضر العقد أو الدّخول، أمّا من لم يحضر فتستحبّ له التّهنئة إذا لقي الزّوج ما لم تطل المدّة في عرف النّاس‏.‏

صيغة التّهنئة بالنّكاح

7 - ولفظ تهنئة الزّوج بالنّكاح‏:‏ بارك اللّه لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير لما ورد في حديثي عبد الرّحمن بن عوف وجابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما - السّابقين - ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ إنسانا تزوّج قال‏:‏ بارك اللّه لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير»‏.‏

ولفظ تهنئة كلّ من الزّوجين‏:‏ بارك اللّه لكلّ واحد منكما في صاحبه وجمع بينكما في خير‏.‏

8 - وكانت التّرفئة بالنّكاح في الجاهليّة بلفظ‏:‏ بالرّفاء والبنين، وجاءت الأحاديث النّبويّة بالألفاظ الّتي سبق ذكرها، واختلف في جواز التّرفئة بلفظ، بالرّفاء والبنين، فذهب المالكيّة إلى أنّ التّرفئة بهذا اللّفظ لا كراهة فيها، وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يكره أن يقال في التّرفئة‏:‏ بالرّفاء والبنين، وروي في ذلك «عن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه تزوّج امرأة من بني جشم فقالوا‏:‏ بالرّفاء والبنين، فقال‏:‏ لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ اللّهمّ بارك لهم وبارك عليهم» رواه ابن ماجه والنّسائيّ وأحمد بمعناه، وفي رواية له‏:‏ «لا تقولوا ذلك فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن ذلك، قولوا‏:‏ بارك اللّه لها فيك، وبارك لك فيها»‏.‏

واختلف في علّة النّهي عن التّرفئة بلفظ «بالرّفاء والبنين «، فقيل‏:‏ لأنّه لا حمد فيه ولا ثناء ولا ذكر للّه تعالى، وقيل‏:‏ لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذّكر، وإلا فهو دعاء بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه، وقال ابن المنير‏:‏ الّذي يظهر أنّه صلى الله عليه وسلم كره اللّفظ لما فيه من موافقة الجاهليّة لأنّهم كانوا يقولونه تفاؤلا لا دعاء‏.‏ فيظهر أنّه لو قيل بصورة الدّعاء لم يكره كأن يقول‏:‏ اللّهمّ ألّف بينهما وارزقهما بنين صالحين‏.‏

ثانياً‏:‏ التّهنئة بالمولود‏:‏

9 - التّهنئة بالمولود عند جمهور الفقهاء مستحبّة، وتكون عند الولادة، والأوجه عند الشّافعيّة امتداد زمنها ثلاثا بعد العلم أو القدوم من السّفر‏.‏

ولفظها الّذي يقوله المهنّئ لوالد المولود ونحوه، بارك اللّه لك في الولد الموهوب، وشكرت الواهب، وبلغ أشدّه، ورزقت برّه، وقد روي عن الحسين رضي الله عنه أنّه علّم إنسانا التّهنئة فقال‏:‏ قل بارك اللّه لك في الموهوب لك، وشكرت الواهب، وبلغ أشدّه، ورزقت برّه، وروي نحو ذلك عن الحسن‏.‏

ويستحبّ للمهنّأ أن يردّ على المهنّئ فيقول‏:‏ بارك اللّه لك، وبارك عليك، وجزاك اللّه خيرا، ورزقك مثله، أو‏:‏ أجزل اللّه ثوابك، ونحو هذا‏.‏

ثالثاً‏:‏ التّهنئة بالعيد والأعوام والأشهر‏:‏

10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعيّة التّهنئة بالعيد من حيث الجملة‏.‏ فقال صاحب الدّرّ المختار - من الحنفيّة - إنّ التّهنئة بالعيد بلفظ «يتقبّل اللّه منّا ومنكم «لا تنكر‏.‏ وعقّب ابن عابدين على ذلك بقوله‏:‏ إنّما قال - أي صاحب الدّرّ المختار - كذلك لأنّه لم يحفظ فيها شيء عن أبي حنيفة وأصحابه، وقال المحقّق ابن أمير حاجّ‏:‏ بل الأشبه أنّها جائزة مستحبّة في الجملة، ثمّ ساق آثارا بأسانيد صحيحة عن الصّحابة في فعل ذلك، ثمّ قال‏:‏ والمتعامل في البلاد الشّاميّة والمصريّة‏:‏ عيد مبارك عليك ونحوه، وقال‏:‏ يمكن أن يلحق بذلك في المشروعيّة والاستحباب لما بينهما من التّلازم، فإنّ من قبلت طاعته في زمان كان ذلك الزّمان عليه مباركا، على أنّه قد ورد الدّعاء بالبركة في أمور شتّى فيؤخذ منه استحباب الدّعاء بها هنا أيضا‏.‏

أمّا عند المالكيّة فقد سئل الإمام مالك عن قول الرّجل لأخيه يوم العيد‏:‏ تقبّل اللّه منّا ومنك يريد الصّوم وفعل الخير الصّادر في رمضان،وغفر اللّه لنا ولك فقال‏:‏ ما أعرفه ولا أنكره‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ معناه لا يعرفه سنّة ولا ينكره على من يقوله، لأنّه قول حسن لأنّه دعاء، حتّى قال الشّيخ الشّبيبيّ يجب الإتيان به لما يترتّب على تركه من الفتن والمقاطعة‏.‏

ويدلّ لذلك ما قالوه في القيام لمن يقدم عليه، ومثله قول النّاس لبعضهم في اليوم المذكور‏:‏ عيد مبارك، وأحياكم اللّه لأمثاله، لا شكّ في جواز كلّ ذلك بل لو قيل بوجوبه لما بعد، لأنّ النّاس مأمورون بإظهار المودّة والمحبّة لبعضهم‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقد نقل الرّمليّ عن القموليّ قوله‏:‏ لم أر لأصحابنا كلاما في التّهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله النّاس، لكن نقل الحافظ المنذريّ عن الحافظ المقدسيّ أنّه أجاب عن ذلك بأنّ النّاس لم يزالوا مختلفين فيه،والّذي أراه أنّه مباح لا سنّة فيه ولا بدعة‏.‏ ثمّ قال الرّمليّ‏:‏ وقال ابن حجر العسقلانيّ‏:‏ إنّها مشروعة، واحتجّ له بأنّ البيهقيّ عقد لذلك بابا فقال‏:‏ باب ما روي في قول النّاس بعضهم لبعض في يوم العيد‏:‏ تقبّل اللّه منّا ومنك، وساق ما ذكره من أخبار وآثار ضعيفة لكن مجموعها يحتجّ به في مثل ذلك، ثمّ قال‏:‏ ويحتجّ لعموم التّهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بمشروعيّة سجود الشّكر والتّعزية، وبما في الصّحيحين عن كعب بن مالك في قصّة توبته لمّا تخلّف عن غزوة تبوك أنّه لمّا بشّر بقبول توبته ومضى إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قام إليه طلحة بن عبيد اللّه فهنّأه‏.‏ وكذلك نقل القليوبيّ عن ابن حجر أنّ التّهنئة بالأعياد والشّهور والأعوام مندوبة‏.‏ قال البيجوريّ‏:‏ وهو المعتمد‏.‏

وجاء في المغني لابن قدامة‏:‏ قال أحمد رحمه الله‏:‏ ولا بأس أن يقول الرّجل للرّجل يوم العيد‏:‏ تقبّل اللّه منّا ومنك، وقال حرب‏:‏ سئل أحمد عن قول النّاس في العيدين‏:‏ تقبّل اللّه منّا ومنكم قال‏:‏ لا بأس به، يرويه أهل الشّام عن أبي أمامة، قيل‏:‏ وواثلة بن الأسقع ‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قيل‏:‏ فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

وذكر ابن عقيل في تهنئة العيد أحاديث منها أنّ محمّد بن زياد قال‏:‏ كنت مع أبي أمامة الباهليّ وغيره من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض‏:‏ تقبّل اللّه منّا ومنك، وقال أحمد‏:‏ إسناد حديث أبي أمامة جيّد‏.‏

رابعاً‏:‏ التّهنئة بالقدوم من السّفر‏:‏

11 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ تهنئة القادم من سفر والسّلام عليه ومعانقته تحسن وتستحبّ، وزاد الشّافعيّة أنّ تقبيل القادم، ومصافحته مع اتّحاد الجنس، وصنع وليمة له تسمّى النّقيعة، واستقباله وتلقّيه‏.‏‏.‏ مندوب كذلك، قال الشّعبيّ‏:‏ وكان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا قدموا من سفر تعانقوا، وقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ «قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول اللّه في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم يجرّ ثوبه فاعتنقه وقبّله»‏.‏

والتّهنئة المستحبّة للقادم من السّفر تكون بلفظ‏:‏ الحمد للّه الّذي سلّمك أو‏:‏ الحمد للّه الّذي جمع الشّمل بك، أو نحو ذلك من الألفاظ الدّالّة على الاستبشار بقدوم القادم‏.‏

ولم نجد من يتعرّض لهذا من الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

ويهنّأ القادم من سفر كان للغزو والجهاد في سبيل اللّه تعالى بالنّصر والظّفر والعزّ وإقرار العين، ويقال له‏:‏ ما ورد على لسان عائشة رضي الله عنها أو نحوه، فقد قالت‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في غزو فلمّا دخل استقبلته على الباب فأخذت بيده، فقلت‏:‏ الحمد للّه الّذي نصرك وأعزّك وأكرمك»‏.‏

خامساً‏:‏ التّهنئة بالقدوم من الحجّ‏:‏

12 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّه يندب أن يقال للحاجّ أو المعتمر، تقبّل اللّه حجّك أو عمرتك، وغفر ذنبك، وأخلف عليك نفقتك ‏.‏

التّهنئة بالأكل والشّرب

13 - والدّعاء للآكل والشّارب يكون بلفظ هنيئا مريئا ونحوه، قال اللّه تعالى ‏{‏فَكُلُوه هَنِيئاً مَرِيئاً‏}‏ وقال عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون‏}‏‏.‏

التّهنئة بالنّعمة ودفع النّقمة

14 - ذهب الشّافعيّة إلى مشروعيّة التّهنئة بما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة، واحتجّوا بحديث كعب وتهنئة طلحة له‏.‏

وفيه «قول كعب‏:‏ فانطلقت أتأمّم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فتلقّاني النّاس فوجا فوجا يهنّئونني بالتّوبة ويقولون‏:‏ لتهنئك توبة اللّه عليك، حتّى دخلت المسجد فإذا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالس وحوله النّاس فقام طلحة بن عبيد اللّه يهرول حتّى صافحني وهنّأني، فلمّا سلّمت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول‏:‏ أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك»‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ التّهنئة بالأمور والنّعم الدّينيّة المتجدّدة مستحبّة، واحتجّوا بقصّة كعب بن مالك، أمّا التّهنئة بالأمور الدّنيويّة فأجازها بعض متأخّريهم، وقال بعضهم‏:‏ تحسن أو تستحبّ‏.‏ ولم نجد من تعرّض لهذا من الحنفيّة والمالكيّة‏.‏